Sunday, November 08, 2020

لا تفلت يدي

 قالتها السيدة الشابة بمزيج من الحسم المرتكن الي حب عظيم ,و خوف فطري لطفلها ,الذي بدي لي من لمحة انه صغيرا ذكيا شقيا بما يكفي لكي تحدث انفلاته كفه الصغير من بين قبضتها كارثة صغيرة

" لا تفلت يدي " اخترقت نبرتها الواضحة مجالي السمعي حين احتك كتفي بكتفها قبالة السلم الكهرابائي داخل المول التجاري فابتسمتُ تلقائيا .. واتبعت ابتسامتي بالتفاتة تلقفتُ فيها نظرتها المرهقة.. وهمستُ بصوت لا يسمع "ربنا يحفظه "..فقرأت الام الصغيرة شفتاي ثم اردفت بصوت اعلي من صوتي وابتسامة تغلب بصفائها ابتسامتي, بينما المسافة بيننا تتسع "و يهديه يا رب ويعنني "
رددت علي ابتسامتها باخري اكثر جرأة و اتساع ..ثم تابعت كل منا مسيرها في الاتجاه المعاكس للاخري مخلفة وراءها بعض من عطرها الممتزج بانفاسها ..ليعاد باختلاطهما معا ترتيب ذبذبات المكان .

*******

بعد ساعات ثلاث
دفعت بقوة الباب الخشبي المغلف ثلثة الاوسط بشريحة عريضة من ستانليس ستيل انطفأت لمعته ..ثم دخلت بخطوات متراخية لاواجه بوهن صورتي في المرآة الكبيرة ,..وصوتها
شابة عشرينية نحيفة سمراء بملامح مصرية منحوتة وعيون كعيون مقاتل يشتعل الغضب في مقاليها ,ترتدي زي عاملات النظافة و طرحة بيضاء تستخدمها كحجاب اسلامي وايضا كحامل لهاتفها المحمول في حال انشغال كفيها .
في يدها اليسري بكرة منتفخة من المناديل الورقية و يمناها تمتد بشكل آلي لكل قادم تعرض عليه لفة استقطعتها من البكرة التي تحتل يسراها.
تقدمتُ خطوات في اتجاه صنبور المياة ,فككت حجابي وسمحت لبرودة الماء ان تزيل عن وجهي اتربة علقت به وبقايا رغبة فقدتُ معظمها في شراء احمر شفاه بدرجة لون حيادية تصلح للاستخدام اليومي.
ينساب الماء و تنساب معه نظرات اسرقها اتابع بها ببطئ و حذر تبدل ملامح الفتاة والانسحاب التكتيكي للغضب , مخلفا بشكل تدريجي مساحة لدلال يتسلل علي استحياء.
جففت وجهي وضبطت ملابسي و طرحتي ..واستدرت لاجدني في مواجهة نفس العبارة " لا تفلت يدي "
وبنبرة انسحب منها كل الغضب و كل الدلال ..كل المعاني و المشاعر ..ولم يتبقي فيها سوي حب مطلق غير مشروط .. او هكذا بدي لي..
استدرت ثانية .. فتحت الصنبور فأغرق كفوفي الماء الهادر.
فوق وجهي المنعكس علي سطح المرايا ابتسامة نجحت اخيرا في ان تقتنص لنفسها مكان
ارتضيت بها ,شحذت بها طاقتي المتسربة ,ثم خرجت بيدين مبللتين لم تجففهما مناديل الفتاة الورقية
********
سرت وعقلي منشغل بالعلامة..
لا تفلت يدي هي اختزال لكل الحب و كل الخوف من المجهول ,من القادم.
هي رغبة في البقاء سويا الي الابد .. الابد بمفهومة الدارج ..الغير خاضع لنسبية اينشتاين
لا تفلتنني فأهوي ..انا التي سرت اعواما علي الحافة حتي تقرحت قدماي ..انا التي خشيت المرتفعات نفس خشيتي للمكوث مطولا في القيعان ..
انا التي يشلني اضطرابي و يقف حائلا بيني و بين قدرتي علي الحلم فما بالنا بتحقيقه ..تلك الاحلام التي اراها بعيون زرقاء اليمامة ,علي بعد مسيرة ايام ..قد تحتاج في الاغتراب دهورا
فيا كل من بادلني قدر من محبة ذات يوم ولم يزل ..ارجوك لا تفلت يدي
ويا روحي بشطريها.. لا تفلتيني..

0 Comments:

Post a Comment

<< Home